كثر الحديث عن البيئة وشؤونها وشجونها فى الآونة الأخيرة وكأنها قضية جديدة، بينما هى البيئة نفسها التى عاش ويعيش علي معطياتها الإنسان، الذى يعتبر هو نفسه جزء لا يتجزأ منها، منذ أن وُجد علي وجه البسيطة.
فماذا تغير؟ كان الاستهلاك وبالتالى الإنتاج يتزايد فى العالم بمعدلات معتدلة مما كان يسهل علي البيئة نفسها امتصاص نفاياته ومخلفاته وإفرازاته؛ الصلبة منها والسائلة والغازية. فمثلاً، كانت الأنهار تنظف نفسها بنفسها مما يلقي فيها من نفايات المصانع والمخلفات والقاذورات وحتي مياه الصرف الصحى. وكانت الغابات تمتص كل الغازات الكربونية التى تنبعث من عوادم السيارات والمصانع. ولكن، تزايد الاستهلاك وبالتالى تزايد الإنتاج بمعدلات مطردة منذ أن ألقت الحرب العالمية الثانية أوزارها فى منتصف الأربعينات من القرن العشرين، جعل نفايات ومخلفات وإفرازات الاستهلاك والإنتاج من الكثرة والكثافة والتركيز لدرجة أصبحت معها البيئة عاجزة عن امتصاصها. فتركزت مخلفات الصناعة فى مياه الأنهار حتي لوثتها وتركزت انبعاثات الغازات فى الجو حتى ثقبت غلافه فتزايد ما عرف بثقب الأوزون وحدث ما عرف بأثر البيوت المحمية، مما أدي إلي زيادة حرارة الأرض التى إذا استمرت تتزايد بالمعدلات الحالية فسوف تذيب كثبان الثلوج المتراكمة فى القطبين الشمالى والجنوبى عبر ملايين السنين. وإذا حدث ذلك، فمن المتوقع أن تغمر مياه الثلوج الذائبة المحيطات والبحار حتى تفيض فتغرق كل الجزر والمدن الساحلية التى تعد من كبريات مدن العالم كطوكيو ونيويورك وغيرها، بما فيها من سكان يعدون الأكثر فى العالم، وإرث بشرى لا يعوض.
من جانب آخر فقد أدي تلوث البيئة إلي كثير من الأمراض المستعصية التى لا يرجي الشفاء منها، بالرغم مما بلغته التقنية الطبية؛ التشخيصية منها والعلاجية شأواً لم تبلغه من قبل.
والتلوث البيئى هو واحد من شؤونها وشجونها. فقد أصيبت البيئة أيضاً بالتدهور واختلال التوازن جراء الاستهلاك والإنتاج غير الرشيد فى عالم متقلب. فالزراعة الممتدة عبر الأفق والرعى الجائر للمراعى والقطع الجائر للغابات والصيد الجائر للحيوانات والطيور، أدت كلها مجتمعة إلي تدهور البيئة فتزايدت مساحات الصحراء وانحسرت المساحات الخضراء واختل التوازن الحيوى حتي خشي الإنسان علي بعض الحيوانات والطيور والنباتات من الانقراض بالرغم من قيمتها البيئية والحياتية. فما هو الحل؟ يجازف بسمعته كل من يعتقد أنه يمتلك الحل للمعضلة البيئية الحالية والكارثة البيئية المستقبلية، طالما ظل العالم يتقلب وبمعدلات متزايدة، واستمر الإنسان فى طمعه وجشعه وطموحه الجامح الذى لا تعرف له حدود، ولطالما ظل يفسد فى الأرض.